وصف الكعبة المشرفة بالكامل

شكل ووصف الكعبة المشرفة

تمثل الكعبة المشرفة أعظم معلم ديني في الإسلام، وهي أول بيت وُضع للناس لعبادة الله تعالى، ومهوى أفئدة المسلمين من شتى بقاع الأرض. لا يمكن أن يذكر الحج والعمرة إلا وترتسم في الذهن صورة الكعبة وهي شامخة في قلب المسجد الحرام، محاطة بالمصلين والطائفين، وقد تغلفها هيبة عظيمة وسكينة فريدة. ويُنظر إلى الكعبة لا بوصفها بناءً فقط، بل بوصفها رمزًا للعقيدة والوحدة الإسلامية، ونقطة الارتكاز في الاتجاه أثناء الصلاة، حيث يتجه المسلمون إليها في كل مكان من الأرض. ومن هنا، تبرز أهمية التعرف على الشكل الهندسي للكعبة، ووصف مكوناتها وأبعادها وخصائصها العمرانية والرمزية.

أولاً: الشكل العام للكعبة المشرفة

الكعبة المشرفة بناء مكعب الشكل تقريبًا، ولكنها في الواقع ليست مكعبًا هندسيًا دقيقًا، إذ إن طول أحد الجدارين أطول قليلاً من الآخر، ما يجعل شكلها أقرب إلى متوازي المستطيلات. وهي مغطاة بقماش أسود فاخر يُسمى “الكسوة”، منسوج من الحرير الخالص ومطرز بخيوط الذهب والفضة.

تقع الكعبة في وسط الحرم المكي، ويبلغ ارتفاعها الحالي نحو 15 مترًا، أما طولها من الجدار الذي يواجه بابها (الذي يُعرف بالواجهة الشرقية) إلى الجدار المقابل (الغربي) فيبلغ 12.25 مترًا، بينما يبلغ عرضها من الجدار الشمالي إلى الجدار الجنوبي حوالي 10.10 مترًا.

هذا الشكل البسيط في ظاهره يخفي خلفه دلالات روحية وتاريخية عميقة، تجسدت عبر القرون في صيانتها وتقديسها وبنائها المتكرر وفق معايير صارمة من حيث القدسية والنقاء والطهارة.

ثانيًا: مكونات الكعبة الخارجية

1. الكسوة المشرفة

الكسوة هي الغطاء الخارجي للكعبة، ويُجدد سنويًا في يوم عرفة من كل عام هجري. تصنع الكسوة من الحرير الأسود الطبيعي، وتطرّز عليها آيات قرآنية بعيون ذهبية، وتُزينها نقوش دقيقة تشمل “يا الله”، “يا حي”، “يا قيوم”، “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. يبلغ وزن الكسوة نحو 670 كجم، ويتم تركيبها بإحكام باستخدام حبال مثبتة من أعلى الجدران.

2. باب الكعبة

يقع باب الكعبة على الجدار الشرقي، ويرتفع عن الأرض بمقدار 2.25 مترًا، ويبلغ طوله 3.06 مترًا، وعرضه 1.68 مترًا. الباب مصنوع من الذهب الخالص عيار 99.99%، وتم تركيبه عام 1399هـ (1979م) بأمر من الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، وهو مزخرف بنقوش دقيقة وآيات قرآنية بارزة.

3. الحجر الأسود

يقع في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة، ويُعتبر نقطة بداية الطواف. يعلوه إطار من الفضة النقية، ويُعتقد أنه يعود إلى عهد النبي إبراهيم عليه السلام. وهو حجر بيضاوي الشكل، أسود اللون مائل إلى الحمرة، ويبلغ قطره نحو 30 سم، ولا يتبقى منه حاليًا إلا أجزاء صغيرة محاطة بمادة مغلفة تحفظه.

4. الركن اليماني

هو الركن الجنوبي الغربي للكعبة، ويقع في الجهة المقابلة للركن الذي يوجد فيه الحجر الأسود. يُستحب لمن يطوف بالكعبة أن يستلمه بيده دون تقبيله كما يُفعل مع الحجر الأسود.

5. المَطاف

وهو المساحة المحيطة بالكعبة التي يتم فيها أداء الطواف. وقد جُهز المطاف حاليًا بأرضية من الرخام الأبيض المقاوم للحرارة. وتتم صيانته دورياً للحفاظ على نظافته واستيعاب أعداد الحجاج والمعتمرين.

6. ميزاب الكعبة

هو فتحة لتصريف مياه الأمطار من سطح الكعبة، يقع في الجدار الشمالي، فوق حجر إسماعيل، وهو مصنوع من الذهب الخالص. تم تركيبه في العصر العثماني وتم تجديده عدة مرات. يُعرف ميزاب الكعبة بجماله المعماري ودقته، وهو من الزخارف النادرة التي لا توجد إلا في الكعبة.

ثالثًا: مكونات الكعبة الداخلية

الكعبة من الداخل خالية من أي زينة فارهة، بما يتناسب مع روحانيتها وقداستها. الأرضية مغطاة برخام فاخر، وتوجد بداخلها أعمدة خشبية ضخمة تدعم السقف، وهي ثلاثة أعمدة مصنوعة من خشب الساج الغالي الثمن والمقاوم للزمن. في الجدار الداخلي توجد ألواح من الرخام مزينة بنقوش وكتابات توثق تواريخ ترميم الكعبة وأسماء الخلفاء والسلاطين الذين ساهموا في ذلك.

يوجد داخل الكعبة أيضًا مصابيح متدلية، وقد وُضعت بلاطة رخامية تشير إلى موضع سجود النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة عندما دخلها يوم فتح مكة.

رابعًا: حجر إسماعيل (الحِجر)

الحِجر هو مساحة شبه دائرية تقع شمال الكعبة، محاطة بجدار منخفض يُعرف باسم “الحَطيم”. وهو جزء من الكعبة بحسب الروايات الصحيحة، فقد كان جزءًا منها في بناء إبراهيم عليه السلام، ولم يتم إدخاله في البنية الحديثة لضيق الموارد. يبلغ ارتفاع جدار الحجر حوالي 1.30 متر، وله فتحتان تسمحان بدخول الطائفين إليه.

الصلاة داخل حجر إسماعيل لها فضل عظيم، حيث تُعتبر بمنزلة الصلاة داخل الكعبة نفسها. وهو مغطى بالرخام الأبيض، ويُستخدمه الطائفون في التعبد والاستراحة أثناء الطواف.

خامسًا: أعمدة الكعبة وسقفها

كما ذُكر، تحتوي الكعبة على ثلاثة أعمدة خشبية متينة تحمل سقفها، وهي مزينة من الأعلى بجسور خشبية تربط بينها وبين الجدران. هذه الأعمدة تشكل الأساس الداخلي للكعبة، وتُغلف بحزام من الفضة وتُضاء بمصابيح معلقة على طراز إسلامي بديع.

السقف مزدوج، يتكون من سقف داخلي وآخر خارجي مائل لتصريف مياه الأمطار عبر الميزاب. وتُجرى صيانة دورية للسقف من الداخل للحفاظ على استقرار الهيكل واستمرارية رمزيته المعمارية.

سادسًا: زوايا الكعبة الأربعة

الكعبة لها أربعة أركان رئيسية، كل منها له اسم وموقع مميز:

وتُستلم هذه الأركان أثناء الطواف، فيما يُستحب تقبيل الحجر الأسود فقط، أما باقي الأركان فالاكتفاء باستلامها باليد أو الإشارة إليها إن تعذّر.

سابعًا: تاريخ بناء الكعبة وتطور شكلها

مرت الكعبة بعدة مراحل عمرانية، بدأ أولها عندما رفعها إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وكانت حينها غير مسقوفة وبُنيت من الحجارة المحلية. ثم توالت عليها عمليات الترميم والبناء، من أبرزها:

• إعادة قريش للبناء قبل البعثة، حيث شارك النبي محمد صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود.

• حادثة الحريق في عهد عبد الله بن الزبير، حيث أعاد بناء الكعبة وجعلها على قواعد إبراهيم.

• العهد الأموي، إذ تم ترميم الكعبة مرة أخرى بعد أن هدمها الحجاج الثقفي، وأعادها إلى شكل قريش.

• العهد العثماني والسعودي، حيث جرت عمليات الترميم والتحديث، مع الحفاظ على الشكل التقليدي للكعبة.

وقد شهدت الكعبة في العصر السعودي الحديث اهتمامًا بالغًا شمل ترميم الهيكل، وتحديث الكسوة، وتقوية البنية التحتية، وتوسيع ساحة الحرم حولها لاستيعاب الحشود المتزايدة من الحجاج والمعتمرين.

ثامنًا: رمزية الكعبة في الشعائر الإسلامية

تشكل الكعبة قبلة المسلمين في الصلاة، وهي من أهم الشعائر في الحج والعمرة. يبدأ الطواف منها، وتنتهي السعي عندها. وقد جاء في الحديث الصحيح أن الصلاة في المسجد الحرام، حيث الكعبة، تعدل مئة ألف صلاة فيما سواه.

وترمز الكعبة إلى وحدة المسلمين، إذ يتوجه إليها أكثر من مليار مسلم في صلواتهم اليومية، دون تمييز بين شرق وغرب. وقد كانت قبلة الأنبياء من قبل، فهي مركز التوحيد منذ آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم.

المصادر والمراجع:

1. ابن كثير، البداية والنهاية

2. وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، تاريخ المسجد الحرام والكعبة المشرفة